فصل: (مسألة:حد العورة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: حمل الحيوان في الصلاة]

وإن حمل المصلي حيوانًا نجسًا، كالكلب والخنزير.. لم تصح صلاته؛ لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها.
وإن كان الحيوان طاهرًا، ولا نجاسة عليه.. صحت صلاته؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حمل أمامة ابنة أبي العاص، وهو يصلي».
ولأن النجاسة في جوف الحيوان لا حكم لها، كالنجاسة التي في جوف المصلي.
وإن حمل المصلي رجلا استنجى بالأحجار.. ففيه وجهان:
الأول: قال أبو علي السنجي: تصح صلاة الحامل، كما لو حمل حيوانًا في بطنه نجاسة. ولأنه لما عفي عن ذلك في حق المستنجي.. عفي عنه في حق من حمله.
والثاني: قال القفال: لا تصح صلاة الحامل. وهو الأصح؛ لأنه حامل لنجاسة لا حاجة به إليها، فلم تصح، كما لو حمل نجاسة في كمه. ويخالف نجاسة الحيوان التي في بطنه؛ لأنه لا حكم لها. ويخالف أيضًا أثر الاستنجاء في حق المستنجي بنفسه؛ لأنه مضطر إلى ذلك.
قال الطبري: فهو كدم البراغيث، يعفى عنه في الثوب، فلو لبس ذلك الثوب، وبدنه رطب.. لم يعف عنه؛ لأنه لا ضرورة به إلى ذلك.
وإن حمل المصلي حيوانًا طاهرًا مذبوحًا، وقد غسل الدم عن موضع الذبح.. قال ابن الصباغ: لم تصح صلاة الحامل؛ لأن باطن الحيوان لا حكم له ما دام حيًا، فإذا زالت الحياة.. صار حكم الظاهر والباطن سواء، وجرى ذلك مجرى من حمل نجاسة في كمه.
وإن حمل المصلي قارورة فيها نجاسة، وقد سد رأسها بصفر أو نحاس، أو حديد.. ففيه وجهان:
الأول: قال أبو علي بن أبي هريرة: تصح صلاته؛ لأن النجاسة لا تخرج منها، فهي كالنجاسة التي في جوف الحيوان.
والثاني: لا تصح، وهو المذهب؛ لأنها نجاسة غير معفو عنها في غير محلها، فهي كما لو كانت ظاهرة.
فأما إذا سدها بخرقة، أو شمع، وما أشبهه.. قال أكثر أصحابنا: لا تصح صلاته، وجهًا واحدًا.
وذكر الشيخ أبو إسحاق: إذا سدها.. فهل تصح صلاته؟ فيه وجهان، من غير تفصيل، ولعله أراد ما قالوا.

.[مسألة:طهارة المكان]

طهارة الموضع الذي يصلى عليه شرط في صحة الصلاة، خلافًا لمالك، وقد ذكرناه.
وقال أبو حنيفة: (إذا كان موضع قدميه طاهرًا.. صحت صلاته وإن كان موضع ركبتيه نجسًا). وفي موضع الجبهة: روايتان.
دليلنا: ما روى عمر بن الخطاب: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «سبعة مواطن لا تجوز الصلاة فيها: المجزرة، والمقبرة، والمزبلة، ومعاطن الإبل، والحمام، وقارعة الطريق، وفوق بيت الله العتيق».
وإنما منع من الصلاة في المجزرة والمزبلة؛ لنجاستها، ولأنه موضع يلاقيه بدن المصلي، فلم تصح، كموضع القدم.
وإن كان بحذاء صدر المصلي على الأرض، أو البساط نجاسة، ولم يصبها في ثيابه، ولا بدنه.. فهل تصح صلاته؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق \ 68] و "الفروع":
أحدهما: لا تصح صلاته؛ لأنه إذا لم تصح صلاة من على رأسه عمامة، وطرفها على النجاسة.. فلأن لا تصح صلاة هذا أولى.
والثاني: تصح. وهو الأصح؛ لأنه غر مباشر للنجاسة، ولا حامل لما هو متصل بها.
وإن صلى على موضع طاهر من البساط، وفي موضع منه نجاسة لا تحاذيه.. صحت صلاته.
وقال أبو حنيفة: (إن كان البساط لا يتحرك بحركته.. صحت صلاته، وإن كان يتحرك بحركته.. لم تصح).
دليلنا: أنه غير حامل للنجاسة، ولا لما هو متصل بها، فهو كما لو صلى على أرض طاهرة وفي طرف منها نجاسة.

.[فرع: إصابة النجاسة للأرض]

وإن أصابت الأرض نجاسة، فإن عرف موضعها.. تجنبها، وصلى في غيره.
وإن فرش عليها بساطًا طاهرًا، وصلى عليه.. صحت صلاته.
وقال أبو حنيفة: (إن كان البساط يتحرك بحركته.. لم تصح صلاته). وقد مضى الدليل عليه.
وإن خفي عليه موضع النجاسة.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أحببت أن يتباعد إلى موضع يتحقق أن النجاسة لم تبلغ إليه احتياطًا).
فإن لم يفعل، وصلى في موضع منها، فإن كان ذلك في الصحراء.. صحت صلاته؛ لأنه لا يمكن غسلها. وإن كان ذلك في بيت.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه كالصحراء؛ لأنه يشق عليه غسل جميعه، فهو كالصحراء.
والثاني - وهو المذهب -: أنه لا يجوز، حتى يغسله كله؛ لأن البيت يمكن غسله، فهو كالبساط إذا أصابت النجاسة موضعًا منه، وخفي عليه. ويخالف الصحراء؛ فإنه لا يمكن حفظها من النجاسة، وإذا نجس موضع منها.. لم يمكن غسل جميعها.

.[فرع: الشبهة في نجاسة أحد البيتين]

وإن كانت النجاسة في أحد البيتين، واشتبها عليه.. تحرى فيهما، كما يتحرى في الثوبين.
وإن كان هناك بيت ثالث يتيقن طهارته، أو معه من الماء ما يمكنه أن يغسل به أحدهما.. فهل له التحري في البيتين؟ على الوجهين في الثوبين.

.[فرع: من حبس بمكان نجس]

وإن كان مربوطًا على خشبة، أو محبوسًا في حش أو موضع نجس، وهو متوضئ.. فلا خلاف على المذهب: أنه يلزمه أن يصلي على حسب حاله. وهو قول كافة العلماء.
وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة: (أنه لا يلزمه أن يصلي).
دليلنا: أن من لزمه فرض الوقت.. لزمه الإتيان به على حسب حاله، كالمريض.
إذا ثبت هذا: فإنه يحرم بالصلاة، ويأتي بالقيام إن قدر عليه، وبالقراءة، والركوع، فإذا أراد أن يسجد.. فإنه يدني رأسه من الأرض إلى القدر الذي لو زاد عليه.. لاقى النجاسة، ولا يضع جبهته وأنفه، ولا يديه ولا ركبتيه على الموضع النجس.
ومن أصحابنا من قال: يلزمه أن يسجد على النجاسة واشترط في "الفروع" على هذا: إذا كانت النجاسة يابسة.
والمذهب الأول؛ لأنه إذا سجد على النجاسة.. حصلت النجاسة على جبهته وكفيه، فكانت مباشرته للنجاسة بعضو واحد - وهو قدماه - أولى من مباشرته لها بثلاثة أعضاء.
إذا ثبت هذا: فصلى على حسب حاله، ثم إذا قدر.. فهل تلزمه الإعادة؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (لا تلزمه الإعادة)؛ لأنه صلى على حسب حاله، فهو كالمريض.
والثاني: قال في الجديد: (تلزمه الإعادة). وهو الأصح؛ لأن هذا عذر نادر غير متصل، فلم يسقط معه الفرض.
وإذا أعاد.. ففي فرضه أقوال:
قال في "الأم" [1/80] (الفرض هوالثانية)؛ لأنا إنما أمرناه بفعل الأولى؛ لحرمة الوقت، كمن لم يجد ماء ولا ترابًا.
وقال في القديم: (الفرض هو الأولى)؛ لأن الإعادة غير واجبة في القديم.
وقال في " الإملاء ": (الجميع فرض عليه)؛ لأنه يجب عليه فعل الجميع. وهو اختيار ابن الصباغ. قال: والأول أشهر.
وخرج أبو إسحاق قولاً رابعًا: إن الله تعالى يحتسب له بأيتهما شاء، كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم فيمن صلى الظهر في بيته، ثم صلى الجمعة: (إن الله تعالى يحتسب له بأيتهما شاء).
وإن صلى الأولى بغير طهارة.. قال الشيخ أبو حامد: فالفرض هوالثانية، قولاً واحدًا.

.[مسألة:رأى نجاسة في ثوبه بعد الصلاة]

إذا فرغ من الصلاة، فرأى على بدنه، أو على ثوبه، أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنها، فإن كان قد علم بها قبل الصلاة، ونسيها.. لم تصح صلاته؛ لأنه مفرط في ذلك.
وإن لم يعلم بها.. نظرت.
فإن جوز أن تكون وقعت عليه بعد الصلاة.. لم تلزمه الإعادة؛ لأن الأصل عدم كونها معه في الصلاة، إلا أن المستحب له: أن يعيدها؛ لجواز أن تكون معه في الصلاة.
وإن كانت مما لا يجوز حدوثها عليه بعد الصلاة.. فهل تلزمه الإعادة؟ فيه قولان:
أحدهما: (لا تلزمه الإعادة). وهو قوله القديم؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلع نعليه في الصلاة، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف.. قال: ما لكم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: رأيناك خلعت نعليك، فخلعنا نعالنا. فقال: إنما خلعتها؛
لأن جبريل أتاني فأخبرني: أن فيها قذرًا. أو قال: دم حلمة».
فلو لم تصح الصلاة.. لاستأنفها.
وقال في الجديد: (تلزمه الإعادة). وهو الأصح؛ لأنها طهارة واجبة، فلا تسقط بالجهل، كالوضوء.
وأما الخبر: فيحتمل أن القذر الذي أصابه من المستقذرات الطاهرة، كالنخامة، وغيرها. وأما دم الحلمة: فيحتمل أنه كان قذرًا يعفى عنه.

.[مسألة:الصلاة في المقبرة]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وإن صلى فوق قبر، أو إلى جنبه، ولم ينبش.. أجزأه).
وجملة ذلك: أن القبور على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: مقبرة قد تحقق أنه قد نبشت، وجعل أسفلها أعلاها، فهذه لا تصح الصلاة فوقها؛ لما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام».
ولأنها قد اختلط بتربتها صديد الموتى، ولحومهم.
الضرب الثاني: مقبرة تحقق بأنها لم تنبش، فهذه تكره الصلاة عليها؛ لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في المقبرة. ولأنها مدفن النجاسة.
فإن صلى عليها.. صحت صلاته.
وقال أحمد: (لا تصح). وفي كراهية استقبالها روايتان.
دليلنا: ما «روى أبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أول مسجد وضع في الأرض؟ فقال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، فقلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عامًا، وحيثما أدركتك الصلاة.. فصل».
ولأن النجاسة تحت الأرض، وأجزاء الأرض تحول بين النجاسة وبين المصلي، فصحت الصلاة، كما لو فرش حصيرًا فوق النجاسة، وصلى عليه.
الضرب الثالث: مقبرة شك فيها: هل هي جديدة، أم قد نبشت.. فهل تصح الصلاة عليها؟ فيه قولان:
أحدهما: لا تصح؛ لعموم الخبر. ولأن الظاهر تكرار النبش فيها.
والثاني: تصح الصلاة؛ لأن الأصل عدم النبش، وبقاء طهارة الأرض.

.[مسألة:الصلاة في الحمام]

(نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في الحمام).
واختلف أصحابنا: لأي معنى نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة فيه؟
فمنهم من قال: نهى عن ذلك؛ لأجل النجاسة التي فيه.
فعلى هذا: يكون كالمقبرة على الأضرب الثلاثة، وأما المسلخ: فلا يدخل في النهي على هذا.
ومنهم من قال: إنما نهى عن الصلاة فيه؛ لأنه مأوى الشياطين؛ لما يكشف فيه من العورات، كما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرس هو وأصحابه في واد، فناموا حتى لم يوقظهم إلا حر الشمس، فقال لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارتفعوا عن هذا الوادي؛ فإن فيه شيطانًا»، ولم يصل فيه.
فعلى هذا: تكره الصلاة في جميع بيوته.
وإن تحقق طهارتها، فإن صلى في موضع طاهر منه.. صحت صلاته.
وقال أحمد: (لا تصح الصلاة فيه، ولا على سطحه؛ لعموم الخبر).
دليلنا: أنه موضع طاهر، فصحت الصلاة فيه، كسائر المواضع، والخبر نحمله: على الاستحباب، بدليل رواية أبي ذر الغفاري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وحيث ما أدركتك الصلاة.. فصل».

.[مسألة:الصلاة في أعطان الإبل]

ورد النهي عن الصلاة في أعطان الإبل، وهو ما روى عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة» فذكر فيها معاطن الإبل.
وروى عبد الله بن المغفل: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أدركتك الصلاة وأنت في مراح الغنم.. فصل فيه؛ فإنها سكينة وبركة، وإذا أدركتك الصلاة وأنت في معاطن الإبل... فاخرج منها وصل، فإنها جِنٌّ، من جن خُلقت، ألا تراها إذا نفرت.. كيف تشمخ بآنافها»؟.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، (ومراح الغنم هو: الموضع الذي تأوي إليه). وأراد: الطاهر الذي لا بَعْرَ فيه.
(ومعاطن الإبل: موضع قرب البئر، تنحى إليه الإبل، حتى يرد غيرها للشرب).
وقال غير الشافعي: (أعطان الإبل): هو الموضع الذي تناخ فيه الإبل في الصيف، إذا شربت المرة الأولى، ثم يملأ الحوض مرة أخرى، ثم ترد إليه، فتعلل، قال لبيد:
تكره الشرب فلا تعطنها ** إنما يعطين من يرجو العلل.

فجعل ذك عطنا إذا كان يرجو أن يشرب مرة ثانية.
واختلف في الفرق بين مراح الغنم، وأعطان الإبل من طريق المعنى:
فقال بعضهم: لأن الإبل جن من جن خلقت، والصلاة بقرب الشياطين مكروهة، والغنم فيها سكينة وبركة. وقيل: إنها من دواب الجنة.
وقيل إنما نهى عن الصلاة في أعطان الإبل؛ لما يخاف من نفورها، وذلك يقطع الخشوع، ولا يخاف ذلك من الغنم.
وقيل: إنما نهى عن الصلاة في أعطان الإبل؛ لأنها مأوى الجن والشياطين.
وقيل: إنما نهى عن ذلك؛ لأن أعطان الإبل وسخة في العادة، ومراح الغنم طيب في العادة؛ لأن الغنم إنما تراح إلى ما استعلت أرضه، وطابت تربته، ودنا من الشمال موضعه، ولا تصلح إلا على ذلك، والإبل لا تراح إلى أدقع الأرض؛ لأنها لا تصلح إلا على ذلك.
و (الدقعاء): التراب الكثير.

.[مسألة:الصلاة في قارعة الطريق]

وتكره الصلاة في قارعة الطريق؛ لحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه لا يتمكن من الخشوع في الصلاة؛ لممر الناس فيها، ولأنها تداس بالنجاسات.
فإن صلى في موضع منها، فإن تحقق طهارته، صحت صلاته، وإن تحقق نجاسته، لم تصح صلاته، وإن شك فيها، ففيه وجهان مضى ذكرهما في المياه.
ولا يجوز له: أن يصلي في أرض مغصوبة؛ لأنه لا يجوز له: دخولها في غير الصلاة، ففي الصلاة أولى.
فإن صلى فيها.. صحت صلاته خلافا لداود.
دليلنا: أنها أرض طاهرة، وإنما المنع فيها لمعنى في غيرها، وهو حق المالك، وذلك لا يمنع صحة الصلاة.

.[فرع: كراهة الزروع في المسجد]

قال الصيمري: ويكره غرس النخل والشجر، وحفر الآبار في المساجد، لأنه ليس من فعل السلف.
قال: ولا بأس بإغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة، صيانة لها، وحفظا لما فيها. والله أعلم.

.[باب ستر العورة]

يجب ستر العورة عمن ينظر إليها في غير الصلاة، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي، ولا ميت».
فإن اضطر إلى كشفها للمداواة... جاز؛ لأنه موضع حاجة.
وهل يجب سترها في حالة الخلوة في غير الصلاة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجب؛ لأنه ليس هناك من ينظر إليه.
والثاني: يجب، وهو المذهب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تبرز فخذك» ولم يفرق بين أن يكون هناك من ينظر، أو لا ينظر.

.[مسألة:ستر العورة من شروط الصلاة]

ستر العورة شرط من صحة الصلاة، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: (ليس بشرط في الصلاة، بل هو واجب في الصلاة، وفي غيرها فإن صلى مكشوف العورة، صحت صلاته).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. [الأعراف: 31].
قال ابن عباس: يعني: (الثياب عند الصلاة).
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقبل الله صلاة امرأة حائض إلا بخمار».
وقد روي: " امرأة تحيض " (تحيض) أي: التي وجبت عليها الصلاة.

.[فرع: انكشاف جزء من العورة]

فإن انكشف شيء من العورة مع القدرة على السترة... لم تصح صلاته.
وقال أبو حنيفة (إن بان من العورة المغلظة، وهي: القبل والدبر قدر الدرهم في الصلاة.. لم تبطل الصلاة، وإن بان منها أكثر من ذلك... بطلت. وإن بان من العورة المخففة، وهي: ما عداهما، -أقل من الربع.. لم تبطل -هذا في الرجل- وأما المرأة: فإن انكشف ربع شعرها، أو ربع فخذها، أو ربع بطنها.. بطلت صلاتها، وإن كان أقل من ذلك.. لم تبطل).
وقال أبو يوسف: إن انكشف من ذلك أقل من النصف... لم تبطل.
دليلنا: أن هذا حكم يتعلق بالعورة، فاستوى فيه القليل، والكثير، كالنظر.

.[مسألة:حد العورة]

وعورة الرجل: ما بين السرة والركبة بلا خلاف على المذهب، وبه قال مالك.
وفي السرة والركبة ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهما من العورة.
والثاني: حكاه في "الفروع": أن السرة من العورة، دون الركبة.
والثالث: وهو الأصح، أنهما ليستا من العورة.
وقال أبو حنيفة، وعطاء: (الركبة من العورة، دون السرة).
وقال داود، وأحمد: (العورة هي: القبل والدبر لا غير).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عورة الرجل ما بين سرته وركبته».

.[فرع: عورة المرأة]

وأما المرأة الحرة: فجميع بدنها عورة، إلا الوجه والكفين. وبه قال مالك.
وفي أخمص قدميها وجهان عند الخراسانيين.
وقال الثوري: وأبو حنيفة (قدمها ليس بعورة).
وقال داود، وأحمد: (جميع بدنها عورة، إلا الوجه).
وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل بدنها عورة، حتى ظفرها.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]. قال ابن عباس: (وجهها وكفاها).
«وروت أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، تصلي المرأة في درع وخمار، وليس عليها إزار؟ فقال نعم إذا كان سابغا، يغطي ظُهُور قدميها».

.[فرع: عورة الأمة]

وأما الأمة: فلا يجب تغطية رأسها، بلا خلاف على المذهب.
وقال الحسن: إذا تزوجت الأمة، أو تسراها سيدها؛ أو ولدت.. وجب عليها تغطية رأسها.
دليلنا: ما روي: أن عمر رأى أمة لآل أنس، قد قنعت رأسها، فجذب قناعها، وضربها بالدرة، وقال: (يا لكعاء، اكشفي رأسك، لا تتشبهي بالحرائر).
إذا ثبت هذا: ففي عورتها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن جميع بدنها عورة، إلا مواضع التقليب عند شرائها، وهو: ما يبدو منها عند العمل، مثل الكفين والذارعين، والساقين، والرأس، لأن ذلك تدعو الحاجة إلى كشفه، وما سواه لا تدعو الحاجة إلى كشفه.
والثاني: وهو قول أبي علي الطبري، أن عورتها كعورة الحرة، إلا أن لها كشف رأسها، لحديث عمر.
والثالث: هو الأصح، أن عورتها ما بين السرة والركبة، لما روي: أن أبا موسى الأشعري، قال على المنبر: (ألا لا أعرفن أحدا أراد أن يشتري أمة، فينظر إلى ما بين السرة والركبة، لا يفعلن ذلك أحد، إلا عاقبته). ولم ينكر عليه أحد.
ولأن من لم يكن رأسه عورة.. لم يكن صدره عورة، كالرجل.
وحكم المكاتبة والمدبرة، ومن بعضها حر، وأم الولد حكم الأمة فيما ذكرناه.
وقال ابن سيرين: تتقنع أم الولد، لثبوت سبب الحرية لها، وهي إحدى الروايتين عن أحمد.
دليلنا: أنها مضمونة بالقيمة، فكانت كالأمة.

.[فرع: عورة الخنثى والصبي]

وأما الخنثى المشكل: فإن كان رقيقا، وقلنا: إن عورة الأمة ما بين السرة والركبة، كان ذلك عورة للخثنى، وإن كان حرًا، أو كان رقيقا وقلنا: إن عورة الأمة أكثر مما بين السرة والركبة. وكشف ما عداهما، وصلى.. فهل تلزمه الإعادة؟ فيه وجهان:
أحدهما: ولم يذكر القاضي: غيره، أنه لا تلزمه الإعادة، لجواز أن يكون رجلا.
والثاني: تلزمه الإعادة، لأن ذمته قد اشتغلت بفرض الصلاة، وهو يشك في إسقاطها، والأصل بقاؤها في ذمته.
قال الصيمري: وأما عورة الصبي، والصبية، قبل سبع سنين.. فالقبل والدبر، ثم تتغلظ بعد السبع... فأما بعد العشر: فكعورة البالغين؛ لأن ذلك زمان يمكن البلوغ فيه.